نوشته شده توسط : علی صیفوری

لاتخلو الكتب و المقالات و الجرائد و الصحف التی نواجهها اليوم من مصطلح "عرب الجاهلية". هذا المصطلح الذی أخذ ینتشر بشكل وسيع في كل ما حولنا من كتابات و تعاليم مدرسية و آكاديمية یتنقل كالسكر بين الأفواه في مختلف المجالس و یستخدم بکثرة غریبة و بشکل غیر معقول في الكتب التی نقرأها منذ الإبتدائية و الإعدادية حتی الجامعة و نجده في كل شطر يتعلق بتأريخ العرب أو بالأدب العربي و يترك نظرة سلبیة تجاه العرب فی نفس الطالب و كذلك لاحظت هذه النظرة المتطرفة قد برزت نفسها في المقالات و البحوث الآكادمية حيث قرأت مقالا قبل فترة کان قد إنتشر في إحدى المجلات العلمية و هو مليئا بالبغض و الحقد في كل أشطره التي كانت تحاول أن ترسم صورة سيئة من العرب و صورة متحضرة من قوم الكاتب في ذهن القاريء و المتلقي؛ فعلى سبيل المثال كان قد صرح الكاتب أن العرب لم يكونوا يعرفوا الزراعة و قواعد الفلاحة قبل بعثة الرسول [عليه أفضل الصلاة و السلام] بسبب جهلهم وعبادتهم البهائمَ و لكن قومه كانت لهم الخبرة في مجال الزراعة و الفلاحة في ذلك الوقت!
بالطبع أن مثل هذا الأسلوب الباغض الذي تجلى في البحوث العلمية و في النظام التعليمي لدیهم سيقلل من القيمة العلمية لهذه البحوث و لهذا النوع من التعليم حيث إحدى قواعد العلم هي الحيادية و الواقعية فكيف للطالب و من يستلقي العلم أن يتعلم و يستنتج شيئا حقيقيا منه بهذا الشکل المتطرف.

اذاً فی هذا المجال نسعى لتسليط الضوء على المعنى الحقيقي لهذا المصطلح بکل دقة و تعقل و بغض النظر عن کشف نوایا المستخدمین له.

فما هو المقصود من الجاهلیة:

١- إذا كان القصد من الجاهلية هو جهل العرب بالعلم و الحضارة أی الأمية فنقول:

إنّ هذا النوع من الجهل لايختص بقوم معين و كان سائدا على جميع نقاط العالم و قد يوجد في أي مكان و زمان و لايقتصر عند العرب فقط و من ثم كانت الأمة العربية اكثر علما و تطورا و حضارة و عقلية من باقي الأمم في تلك الحقبة الزمنية التي كان الجهل سائدا علی كل نقاط العالم بأشبع الأشكال. فالعرب قبل الإسلام كانوا يكتبون و يقرؤون و يتداولون الشعر و الأدب و هذا ینافی الأمیة التی یفسرها الباغض. فلماذا کل هذا التأکید علی جاهلیة العرب؟

٢- إن كان المقصود من الجاهلية هو جهل العرب بالقيم الأخلاقية أو ممارسة سلوكياتٍ غير إنسانية فنقول:

إنّ هذه السلوكيات الجاهلية و غير الأخلاقية لدى العرب كانت أقل بكثير مما كانت تمارسها باقي الشعوب من جهل و تخلف و عادات دنيئة و شنيئة آنذاك و التأريخ خير دليل و شاهد و ليس لنا المجال في هذا المقال لذكر الأمثلة و الشهود فما عليكم إلا بمراجعة التأريخ و من ثم العرب كانت لديهم قيم و مباديء أخلاقية يلتزمون بمراعاتها و عندما جائتهم الرسالة الإلهية تدبروا فيها و أعتنقوا الإسلام بسبب قرابة خلقياتهم و أطباعهم مع تعاليم هذا الدين الحنيف و سعوا إلى نشر هذه الرسالة المباركة. فلماذا یؤکد الباحث علی جاهلیة العرب فقط؟

٣- إن کان القصد من الجاهلیة هو الجهل بوحدانیة الخالق و شرك العرب بالله قبل الإسلام فنقول:

ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭ حتى ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻳﻮﺣﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻭ اذا ﺳﻤﻴﺖ ﺑﺎﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻟﺠﻬﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ب"ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ " و لعدم إيمانهم به عز و جل فهذا الأمر أي الشرك كان متداولا لدى شتى الأمم آنذاك و مازال جاريا و لايختص بزمان أو مكان أو قوم خاص. فلماذا کل هذا الترکیز علی جهل العرب فقط؟

فمن هنا أثبتنا أن اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ التي تطلق حالیاﻋﻠﻰ ﺣﻘﺒﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ لاتدل في حقيقتها على جهل العرب أو أميتهم كما يزعم و يدلس البعض بأغراضهم التي ليست خفية علينا و حتی و إن کانت تدل علی الأمیة أو الشرك أو العادات السیئة فکما قلنا اعلاه إن هذه الأمور لاتختص بشعب خاص أو قوم خاص کالعرب و غیرهم و وجودها یعتبر أمرا طبیعیا فی مثل تلك الظروف و ذلك الوقت الذي کان العالم بأسره یعیش فی جهل عاتم و سواد غاشم.

و مما لاشك فيه أن ﺍﻟﻌﺮﺏ أصحاب ﺃﺩﺏ ﺭﻓﻴﻊ ﻻ يضاهيه أي ﺃﺩﺏ في العالم حتى يومنا هذا و ﺗﻘﺎﺱ ﺣﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺑﺘﻄﻮﺭ ﻟﻐﺘﻬﻢ و أدبهم ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍلآﻥ ﻭ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮّﺭ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﺴﺎﻥ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭ الدقة ﻟﺪﻯ ﺃﻧﺎﺱ ﺃﻣﻴﻴﻦ غير العرب ؛ فيقول ﻋﻨﺘﺮﺓ ﺑﻦ ﺷﺪﺍﺩ بأن ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﺷﻲﺀ ﺇﻻ ﻭ ﺫﻛﺮﻭﻩ :"ﻫﻞ ﻏﺎﺩﺭَ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀُ ﻣﻦ ﻣﺘﺮﺩَّﻡِ … ﺃﻡ ﻫﻞ ﻋﺮﻓﺖَ ﺍﻟﺪَّﺍﺭ ﺑﻌﺪَ ﺗﻮﻫُّﻢ"
ﻭ ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮﻩ أيضا ﻋﻤﻴﺪ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺣﻨﺎ ﺍﻟﻔﺎﺧﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ " ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ " ﻭ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﻭ ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ " ﻓﻠﻴﺐ ﺣﺘّﻲ " ﻓﻲ
ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺭﺱ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﺎﻣﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭ عنوانه " ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﺮﺏ".
فكيف الشريحة المثقفة تتجاهل كل هذه الأدلة العقلیة و المنطقیة و الكتب و النصوص التأريخية المعتبرة التي تدل على حضارة 
العرب في ما قبل و بعد الإسلام و مازالت تصر علی التعلیم الباغض و علی نشر النظرة السلبیة تجاه العرب؟
و من الذی أحق بوصف الجاهلیة ؟

ولو بسبب بعض المؤامرات العالمية تهدمت معظم الحضارات و المعالم العربیة و تغيرت نصوص التأريخ و الحق اصبح باطلا و الباطل يزعم نفسه على حق.



:: بازدید از این مطلب : 246
|
امتیاز مطلب : 0
|
تعداد امتیازدهندگان : 0
|
مجموع امتیاز : 0
تاریخ انتشار : یک شنبه 11 مرداد 1394 | نظرات ()